فصل: فصل (في سبب نزول سورة التوبة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم




.سورة التوبة:

.فصول مهمة تتعلق بالسورة الكريمة:

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال الزمخشري:

سورة التوبة مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان وآياتها 130 وقيل 129 نزلت بعد المائدة، لها عدة أسماء: براءة، التوبة، المقشقشة، المبعثرة، المشردة، المخزية، الفاضحة، المثيرة، الحافرة، المنكلة، المدمدمة، سورة العذاب، لأنّ فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أي تبرئ منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين تبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشرد بهم وتخزيهم وتدمدم عليهم. وعن حذيفة رضي اللّه عنه: إنكم تسمونها سورة التوبة، وإنما هي سورة العذاب، واللّه ما تركت أحدًا إلا نالت منه. فإن قلت: هلا صدرت بآية التسمية كما في سائر السور؟ قلت: سأل عن ذلك عبد اللّه بن عباس عثمان رضي اللّه عنهما فقال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نزلت عليه السورة أو الآية قال: اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا، وتوفى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم يبين لنا أين نضعها، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فلذلك قرنت بينهما، وكانتا تدعيان القرينتين. وعن أبى كعب: إنما توهموا ذلك، لأنّ في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود. وسئل ابن عيينة رضى اللّه عنه فقال: اسم اللّه سلام وأمان، فلا يكتب في النبذ والمحاربة، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قيل: فإنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم قد كتب إلى أهل الحرب: بسم اللّه الرحمن الرحيم. قال: إنما ذلك ابتداء يدعوهم ولم ينبذ إليهم، ألا تراه يقول: {وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى} فمن دعى إلى اللّه عزّ وجلّ فأجاب ودعى إلى الجزية فأجاب فقد اتبع الهدى، وأمّا النبذ فإنما هو البراءة واللعنة، وأهل الحرب لا يسلم عليهم، ولا يقال: لا تفرق ولا تخف، ومترس ولا بأس: هذا أمان كله.
وقيل: سورة الأنفال والتوبة سورة واحدة، كلتاهما نزلت في القتال، تعدّان السابعة من الطول وهي سبع وما بعدها المئون، وهذا قول ظاهر، لأنهما معًا مائتان وست، فهما بمنزلة إحدى الطول. وقد اختلف أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال بعضهم: الأنفال وبراءة سورة واحدة. وقال بعضهم: هما سورتان، فتركت بينهما فرجة لقول من قال: هما سورتان، وتركت بسم اللّه الرحمن الرحيم لقول من قال: هما سورة واحدة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة التوبة:

.فصل في نزولها:

هي مدنية بإجماعهم سوى الآيتين في آخرها: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} فانها نزلت بمكة روى البخاري في صحيحه من حديث البراء قال آخر سورة نزلت براءة وقد نقل عن بعض العرب أنه سمع قارئا يقرأ هذه السورة فقال الأعرابي إني لأحسب هذه من آخر ما نزل من القرآن قيل له ومن أين علمت فقال إني لأسمع عهودا تنبذ ووصايا تنفذ.

.فصل [في أول ما نزل من براءة]:

واختلفوا في أول ما نزل من براءة على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن أول ما نزل منها قوله: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} قاله مجاهد.
والثاني: {انفروا خفافا وثقالا} قاله أبو الضحى وأبو مالك.
والثالث: إلا تنصروه قاله مقاتل وهذا الخلاف إنما هو في أول ما نزل منها بالمدينة فانهم قد قالوا نزلت الآيتان اللتان في آخرها بمكة.

.فصل [أسماء سورة التوبة]:

ولها تسعة أسماء أحدها سورة التوبة والثاني براءة وهذان مشهوران بين الناس والثالث سورة العذاب قاله حذيفة والرابع المقشقشة قاله ابن عمر والخامس سورة البحوث لأنها بحثت عن سرائر المنافقين قاله المقداد بن الأسود والسادس الفاضحة لأنها فضحت المنافقين قاله ابن عباس والسابع المبعثرة لأنها بعثرت أخبار الناس وكشفت عن سرائرهم قاله الحاث بن يزيد وابن إسحاق والثامن المثيرة لأنها أثارت مخازي المنافقين ومثالبهم قاله قتادة والتاسع الحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين قاله الزجاج.

.فصل [في سبب امتناعهم من كتابة التسمية في أول سورة التوبة]:

وفي سبب امتناعهم من كتابة التسمية في أولها ثلاثة أقوال:
أحدها رواه ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذا أنزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب فيقول ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننا أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بسم الله الرحمن الرحيم وذكر نحو هذا المعنى عن أبي بن كعب قال الزجاج والشبه الذي بينهما أن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نقضها وكان قتادة يقول هما سورة واحدة.
والثاني رواه محمد بن الحنفية قال قلت لأبي لم لم تكتبوا في براءة بسم الله الرحمن الرحيم فقال يا بني إن براءة نزلت بالسيف وإن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وسئل سفيان بن عيينة عن هذا فقال لأن التسمية رحمة والرحمة أمان وهذه السورة نزلت في المنافقين.
والثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب في صلح الحديبية بسم الله الرحمن الرحيم لم يقبلوها وردوها فما ردها الله عليهم قاله عبد العزيز بن يحيى المكي.

.فصل [في سبب نزول سورة التوبة]:

فأما سبب نزولها فقال المفسرون أخذت العرب تنقض عهودا بنتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره الله تعالى بالقاء عهودهم إليهم فأنزل براءة في سنة تسع فبعث رسول الله أبا بكر أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج في تلك السنة وبعث معه صدرا من براءة ليقرأ ها على أهل الموسم فلما سار دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فقال اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن في الناس بذلك فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر فرجع أبو بكر فقال يا رسول الله أنزل في شأني شيء قال لا ولكن لا يبلغ عني إلا رجل مني أما ترضى أنك كنت صاحبي في الغار وأنك صاحبى على الحوض قال بلى يا رسول الله فسار أبو بكر أميرا على الحج وسار علي ليؤذن ببراءة.

.فصل [في عدد آيات سورة التوبة]:

وفي عدد الآيات التي بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول براءة خمسة أقوال أحدها أربعون آية قاله علي عليه السلام والثاني ثلاثون آية قاله أبو هريرة والثالث عشر آيات قاله أبو صالح عن ابن عباس والرابع سبع آيات رواه ابن جريج عن عطاء والخامس تسع آيات قاله مقاتل.

.فصل [في أخذ براءة من أبي بكر وتسليمها إلى علي]:

فان توهم متوهم أن في أخذ براءة من أبي بكر وتسليمها إلى علي تفضيلا لعلي على أبي بكر فقد جهل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى العرب في ذلك على عادتهم قال الزجاج وقد جرت عادة العرب في عقد عهدها ونقضها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها وجائز أن تقول العرب إذا تلا عليها نقض العهد من ليس من رهط النبي صلى الله عليه وسلم هذا خلاف ما نعراف فينا في نقض العهود فأزاح النبي صلى الله عليه وسلم العلة بما فعل وقال عمرو بن بحر ليس هذا بتفضيل لعلي على أبي بكر وإنما عاملهم بعادتهم المتعارفة في حل العقد وكان لا يتولى ذلك إلا السيد منهم أو رجل من رهطه دنيا كأخ أو عم وقد كان أبو بكر في تلك الحجة الإمام وعلي يأتم به وأبو بكر الخطيب وعلي يسمع وقال أبو هريرة بعثني أبو بكر في تلك الحجة مع المؤذنين الذين بعثهم يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فأذن معنا علي ببراءة وبذلك الكلام وقال الشعبي بعث رسول الله عليا يؤذن بأربع كلمات: «ألا لا يحج بعد العام مشرك ألا ولا يطوف بالبيت عريان ألا ولا يدخل الجنة إلا مسلم ألا ومن كانت بينه وبين محمد مدة فأجله إلى مدته والله بريء من المشركين ورسوله». اهـ.

.قال الفخر:

سورة التوبة مدنية إلا الآيتين الأخيرتين فمكيتان.
وآياتها 129 نزلت بعد المائدة.
سورة التوبة مائة وثلاثة وثلاثون وقيل عشرون وتسع آيات مدنية.
قال صاحب (الكشاف): لها عدة أسماء براءة والتوبة والمقشقشة والمبعثرة والمشردة والمخزية والفاضحة والمثيرة والحافرة والمنكلة والمدمدمة وسورة العذاب قال لأن فيها التوبة على المؤمنين وهي تقشقش من النفاق أي تبرئ منه وتبعثر عن أسرار المنافقين وتبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكل بهم وتشردهم وتخزيهم وتدمدم عليهم وعن حذيفة إنكم تسمونها سورة التوبة والله ما تركت أحدًا إلا نالت منه وعن ابن عباس في هذه السورة قال إنها الفاضحة ما زالت تنزل فيهم وتنال منهم حتى خشينا أن لا تدع أحدًا وسورة الأنفال نزلت في بدر وسورة الحشر نزلت في بني النضير.
فإن قيل ما السبب في إسقاط التسمية من أولها.
قلنا ذكروا فيه وجوها:
الوجه الأول روي عن ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة براءة وهي من المئين وإلى سورة الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما وما فصلتم ببسم الله الرحمن الرحيم فقال كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزلت عليه سورة يقول (ضعوها في موضع كذا) وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا فتوفي صلى الله عليه وسلم ولم يبين موضعها وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقرن بينهما قال القاضي يبعد أن يقال إنه عليه السلام لم يبين كون هذه السورة تالية لسورة الأنفال لأن القرآن مرتب من قبل الله تعالى ومن قبل رسوله على الوجه الذي نقل ولو جوزنا في بعض السور أن لا يكون ترتيبها من الله على سبيل الوحي لجوزنا مثله في سائر السور وفي آيات السور الواحدة وتجويزه يطرف ما يقوله الإمامية من تجويز الزيادة والنقصان في القرآن وذلك يخرجه من كونه حجة بل الصحيح أنه عليه السلام أمر بوضع هذه السورة بعد سورة الأنفال وحيًا وأنه عليه السلام حذف بسم الله الرحمن الرحيم من أول هذه السورة وحيًا.
الوجه الثاني في هذا الباب ما يروى عن أبي بن كعب أنه قال إنما توهموا ذلك لأن في الأنفال ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود فوضعت إحداهما بجنب الأخرى والسؤال المذكور عائد هاهنا لأن هذا الوجه إنما يتم إذا قلنا إنهم إنما وضعوا هذه السورة بعد الأنفال من قبل أنفسهم لهذه العلة.
والوجه الثالث أن الصحابة اختلفوا في أن سورة الأنفال وسورة التوبة سورة واحدة أم سورتان فقال بعضهم هما سورة واحدة لأن كلتيهما نزلت في القتال ومجموعهما هذه السورة السابعة من الطوال وهي سبع وما بعدها المئون وهذا قول ظاهر لأنهما معًا ومائتان وست آيات فهما بمنزلة سورة واحدة ومنهم من قال هما سورتان فلما ظهر الاختلاف بين الصحابة في هذا الباب تركوا بينهما فرجة تنبيهًا على قول من يقول هما سورتان وما كتبوا بسم الله الرحمن الرحيم بينهما تنبيهًا على قول من يقول هما سورة واحدة وعلى هذا القول لا يلزمنا تجويز مذهب الإمامية وذلك لأنه لما وقع الاشتباه في هذا المعنى بين الصحابة لم يقطعوا بأحد القولين وعملوا عملًا يدل على أن هذا الاشتباه كان حاصلًا فلما لم يتسامحوا بهذا القدر من الشبهة دل على أنهم كانوا مشددين في ضبط القرآن عن التحريف والتغيير وذلك يبطل قول الإمامية.
الوجه الرابع في هذا الباب أنه تعالى ختم سورة الأنفال بإيجاب أن يوالي المؤمنون بعضهم بعضًا وأن يكونوا منقطعين عن الكفار بالكلية ثم إنه تعالى صرح بهذا المعنى في قوله: {بَرَاءةٌ مّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] فلما كان هذا عين ذلك الكلام وتأكيدًا له وتقريرًا له لزم وقوع الفاصل بينهما فكان إيقاع الفصل بينهما تنبيهًا على كونهما سورتين متغايرتين وترك كتب بسم الله الرحمن الرحيم بينهما تنبيهًا على أن هذا المعنى هو عين ذلك المعنى.
الوجه الخامس قال ابن عباس سألت عليًا رضي الله عنه لم لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم بينهما قال لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وهذه السورة نزلت بالسيف ونبذ العهود وليس فيها أمان ويروى أن سفيان بن عيينة ذكر هذا المعنى وأكده بقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} (النساء 94) فقيل له أليس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل الحرب بسم الله الرحمن الرحيم فإجاب عنه بأن ذلك ابتداء منه بدعوتهم إلى الله ولم ينبذ إليهم عهدهم ألا تراه قال في آخر الكتاب {والسلام على من اتبع الهدى} وأما في هذه السورة فقد اشتملت على المقاتلة ونبذ العهود فظهر الفرق.
والوجه السادس قال أصحابنا لعل الله تعالى لما علم من بعض الناس أنهم يتنازعون في كون بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن أمر بأن لا تكتب هاهنا تنبيهًا على كونها آية من أول كل سورة وأنها لما لم تكن آية من هذه السورة لا جرم لم تكتب وذلك يدل على أنها لما كتبت في أول سائر السور وجب كونها آية من كل سورة. اهـ.